تتابع الجبهة القومية للعدالة والديمقراطية ما يحدث في محيط شارع محمد محمود والقصر العيني الآن بكل حسرة. فكل تفاصيل الأحداث الجارية تؤكد أن شيئاً لم يتغير منذ أحداث محمد محمود المهيبة في عام 2011. الشرطة لازالت تبطش بالمتظاهرين، والمطالب كما هي لم تتغير لأن النظام لا يعمل على تحقيق أي مطلب من مطالب الثورة. يتم تكرار أساليب التحريض على المتظاهرين بشكل حرفي، حتى قصص "الترامادول" واتهام "ممدوح حمزة" لم يتغيرا، والمتظاهرون لم يتغيروا—وكأن مصر أضاعت عاماً كاملاً دون أن تحقق أي تقدم في أي مجال.
ولا عجب فيما يحدث من قتل واعتقال وتنكيل وتعذيب للمتظاهرين، فوزير الداخلية الحالي هو مدير الأمن العام الذي أدار الشرطة في "محمد محمود" الأولى. الموقعة التي شهدت سقوط 72 شهيد. وقد قام بالبطش بالمتظاهرين والنشطاء في أثناء عمله كمدير أمن في عهد مبارك، ولا يوجد في سجله أي شيء يختلف عن نهج مدراء أمن مبارك، سوى أنه ترك الإخوان يُسيّرون المواكب الانتخابية في إحدى الانتخابات عندما كان قيادات الأمن الآخرين يمنعونهم. ولذلك فهو يدير الداخلية بالضبط كما أدارها من سبقوه، وهذا ما يؤكد عليه تقرير مركز النديم الحقوقي الأخير الذي رصد قيام الشرطة بقتل 37 مواطن، وتعذيب 87، وانتهاك 7 مواطنين جنسيا، في أول 100 يوم من حكم مرسي.
وعليه لا يوجد أي غرابة في أن تتعامل الشرطة مع متظاهري محمد محمود بالشكل الذي نراه الآن. فهي تدار بنفس العقليات والأساليب القديمة، وبالطريقة التي تربت عليها قيادتها—وهذا أصبح واضحاً للنظام والرأي العام على حد سواء منذ شهور. ومن هنا تقع المسؤولية على من عينوا وزير الداخلية وقيادات الأمن في مواقعهم، وعلى من صمتوا على كل ما حدث من خرق لحقوق المواطنين في أول 100 يوم من حكمهم، لما في ذلك من تشجيع لقيادات الداخلية للمضي قدماً فيما يفعلوه—هي بلا أدنى شك مسؤولية من أمضوا ستة أشهر في حكم الدولة دون أن يقتربوا من إعادة هيكلة الشرطة كما طالبت ثورة يناير العظيمة. فلا يمكن إلا لكاذب أن ينكر أن إعادة هيكلة الشرطة كانت ومازلت مطلب رئيسي من مطالب الثورة. ولا يمكن إلا لمنافق أن ينكر أن النظام لم يتطرق من قريب أو بعيد لهذا المطلب.
هذا ما أدخل النظام الجديد في فضيحة تلو الأخرى، بالكذب والنفاق وانعدام الشفافية, فلا يوجد سبيل أمام نظام يرفض معاقبة قتلة الشهداء إلا أن يبطش بالمتظاهرين الذين يطالبون بالقصاص لشهدائنا,ا ويشهر بهم. ولا يمكن لنظام كهذا إلا أن يقصي الآخرين من عملية تحديد شكل النظام السياسي في البلاد، من أجل أن يقنن البطش بالشعب في دستوره الجديد. هذا هو أيضاً سبيل أي نظام يتفق سراً على قروض تجور على حقوق "الغلابة", واتفاقات اقليمية سرية تعظم من مصلحة إسرائيل. فكل ذلك يعني بالتبعية أنه سيحتاج إلى جهاز شرطة "بلطجي"، ولن يسمح أبداً بإعادة هيكلة الشرطة لما يحمله ذلك من تهديد مباشر لمصالحه.
أما المفارقة الكبرى فهي تأكيد هذا النظام المتكرر على فساد الإعلام وعن قيام هذا الإعلام بتشويه صورته بشكل متعمد في الوقت الذي يطلق لقياداته العنان لنشر "حواديت الترامادول" والبلطجية المأجورين وما إلى ذلك مما ورثناه عن نظام مبارك. ما يحدث من تشويه للمتظاهرين لا يخرج إلا عن نظام منافق.
إن من بين الشباب الذي يشارك في أحداث محمد محمود أطهر شباب مصر. جريمتهم الوحيدة أنهم يريدون الحياة بعزة وكرامة ويتطلعون إلى العدالة. ولا يوجد سبب آخر لهبتهم إلا ذلك. فلا يمكن تصور قيام هذه الهبة في ظل نظام يعمل على القصاص من قتلة الشهداء، وينشر العدل والمساواة، ويتوافق مع كل الفصائل السياسية على صلاحيات النظام الحاكم وحقوق المعارضه. هذا ما سبب الانتفاضة الأخيرة، لا اصرار الآخرين على اسقاطه كما يدعي. فلو كان النظام يعمل على تحقيق أهداف الثورة ما استطاع أحد أن يقنع الشباب بالانتفاض ضده بهذه الطريقة.
يستطيع إعلام النظام أن يسرق بعض التصريحات البريئة أو حتى الساذجة من الشباب المشاركين في الأحداث ليشوه به صورتهم. لكنه لن يستطيع أبداً أن يغطي على الحقائق الواضحة; النظام الجديد يسير على نهج نظام مبارك في كل شيء، ولذلك فهم بحاجة إلى تأمين قتلة الشهداء، لا القصاص منهم، والاستحواذ على الدستور ليبقى في الحكم بغض النظر عن آدائه، والتفاهم السري مع إسرائيل، وحماية مصالح "البيزنس"، وهذا في النهاية يتطلب منهم البطش بكل من يعترض عليهم بشكل دوري وتشويه صورتهم.
وكما كان الحال مع النظام السابق، تقع المسؤولية القانونية والجنائية الكاملة بخصوص ما يحدث من بطش وقتل الآن على رئيس الجمهورية. وعليه نقول، يا سيادة الرئيس، سيتم محاكمتك على كل قطرة دم أُهدرت منذ توليك الحكم. ولن يشفع لك أن تلوم الداخلية على ما يحدث تحت سمعك وبصرك. الداخلية تأتمر بإمرتك، ولك كل الحق في إقالة قياداتها، وبما أنك لا تفعل شيء لوقف مايحدث, تصبح راض عنه وشريكا فيه. أمامك 24 ساعة فقط لتثبت رفضك لما يحدث بشكل ملموس، وتحاسب من تسببوا فيه، وإلا فاتك القطار.
يا سيادة الرئيس المنتخب، يا سيادة القائد الأعلى للشرطة، إن الصمت على أحداث كهذه لمدة ثلاثة أيام متتالية هو منتهى العار ولن يمكنك من التنصل منها بدعوى أنك لم تؤيد ما تفعله قوات الشرطة إذا ما احتجت ذلك في المستقبل. هؤلاء هم مرؤسيك!
وللشباب الثائر نقول، ما يحدث الآن هو أمر جلل، ولا يجوز أبداً أن يمر مرور الكرام. ولذلك ندعوكم للمشاركة في دعم تظاهرات عيون الحرية يوم الجمعة القادم حاملين شعار إننا لم نعد نلوم الداخلية وحدها, على هذا البطش والتنكيل بالمتظاهرين، إنما نحمل مرسي شخصيا المسؤولية الكاملة عنه.
[مصدر البيان صفحة "الجبهة القومية للعدالة والديمقراطية" على الفيسبوك]